منتديات الحب الناعم

أهـلا وسهـلا بكـم فـى منتديات
( الحب الناعم )
عزيزى الزائر : إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى
يتوجب عليك التسجيل أولا
لكى تكون عضوا فى أسره الحب الناعم

( فلسطيني )


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات الحب الناعم

أهـلا وسهـلا بكـم فـى منتديات
( الحب الناعم )
عزيزى الزائر : إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى
يتوجب عليك التسجيل أولا
لكى تكون عضوا فى أسره الحب الناعم

( فلسطيني )

منتديات الحب الناعم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الحب الناعم

أهلآ وسهلآ بااعضاء منتدى الحب الناعم نسال الله ان تقضوا معنا اسعد اوقاتكم

    بحث / تأثيرالعامل الأيديولوجي في السياسة الخارجية لدول الثورات

    فلسطيني
    فلسطيني


    عدد المساهمات : 196
    العمر : 34
    تاريخ التسجيل : 13/12/2009
    الموقع : فلسطين

    بحث / تأثيرالعامل الأيديولوجي في السياسة الخارجية لدول الثورات Empty بحث / تأثيرالعامل الأيديولوجي في السياسة الخارجية لدول الثورات

    مُساهمة من طرف فلسطيني الإثنين نوفمبر 25, 2013 10:17 pm

    لا يحصل التغيير في توجهات الدول وأدوارها وسلوكيات سياساتها الخارجية بين عشية وضحاها، ولكنه يستغرق أعواما، حتي يستقر ويتبلور في صورة أيديولوجيا، وعقيدة جديدة تصبح موجها لحركة مؤسسات الدولة في تفاعلاتها الخارجية. فقد مرت دول الربيع العربي بفترة انتقالية منذ الإطاحة بالحكومات السلطوية الاستبداية بعد ثورات شعبية، وذلك حتي إجراء الانتخابات التي أفرزت تكوين سلطة تنفيذية تتولي زمام صنع وتنفيذ السياسات الخارجية لهذه الدول. ولذلك، يظل من المشروع أن يتساءل الباحث عن التوجهات الأيديولوجية، ومعالم السياسة الخارجية الجديدة في دول الربيع العربي. ولعل التساؤل الأساسي الذي تسعي هذه الدراسة للإجابة عليه هو: هل أفرزت توجهات دول الربيع العربي سياسات خارجية جديدة تستند إلي أيديولوجية "إسلامية"، أم أنها لا تزال تنطلق من التوجهات البراجماتية نفسها، وحسابات المصالح السياسية التي كانت تحكم سلوك السياسة الخارجية للأنظمة السابقة؟، وهل هناك بالفعل توجهات قيمية وفكرية، أم أن هناك استمرارية للسياسات التقليدية السابقة نفسها؟، وإذا كان هناك تغيير في السياسة الخارجية، فإلي أي مدي؟، وما حجم هذا التغيير وآفاقه؟.
    تنطلق المقولة الأساسية لهذه الدراسة من أن هناك عوامل تضمن وجود قدر من الاستمرارية والثبات في السياسات الخارجية لدول الربيع العربي، ترتبط بطبيعة نظرية الأمن القومي التي ترسخت في العقود السابقة، والتي تحدد مصادر التهديد والحلفاء المحتملين، وذلك من قبيل استمرارية إدراك مخاطر التهديد الإسرائيلي، ومركزية مياه النيل في الأمن القومي المصري والعربي. ومن العوامل التي تفرض الاستمرارية أيضا تأثير العامل الاقتصادي في السياسة الخارجية للدول الربيع العربي، في ظل موجات العولمة الاقتصادية، التي تفرض استمرارية البحث عن فرص اقتصادية، ومساعدات واستثمارات خارجية في دول العالم المختلفة، مع أهمية خاصة للدول الصناعية المتقدمة، ومجموعة بريكس، وذلك من خلال توجهات براجماتية جديدة تستهدف تعبئة الموارد الخارجية لمصلحة الاقتصاد الوطني الذي يعاني مشاكل (وثيقة منتدي السياسات الاقتصادية). يدفع ذلك كله إلي إبقاء توجهات في السياسة الخارجية تتفق مع توجهات نظم ما قبل الثورة. ولكن هناك في المقابل عناصر التغير والتجديد، والتي تتمثل في بروز التأثير المباشر لصناع قرار السياسة الخارجية الجدد وطبيعة نسقهم الإدراكي والعقيدي المرتبط بالفكر والرؤي، والتوجهات الأيديولوجية والسياسية المرتبطة بالحركات الإسلامية التي تلقي بظلالها علي مستقبل العلاقة مع إسرائيل، إلي جانب دفع جوانب التضامن علي الصعيدين العربي والإسلامي. وقد برز دور فواعل جديدة في السياسات الخارجية مثل شباب الثورات، والدبلوماسية الشعبية، إلي جانب دور الأزهر والحركات الإسلامية. كما ظهرت توجهات جديدة وأدوار جديدة مثل التركيز علي مساندة الثورات العربية، والتغيير في وزن وتأثير دوائر السياسات الخارجية لتبرز سياسات تؤكد التعاون والتكامل بين دول الربيع العربي، والتوجه شرقا.
    أولا- المكون الأيديولوجي في السياسات الخارجية لدول الربيع العربي:
    يرتبط البعد الأيديولوجي في السياسات الخارجية لدول الربيع العربي بتأثير الدين ومنظومة القيم والرأي العام في السياسة الخارجية. ومن الناحية النظرية، لم يلق تأثير العامل الديني في تشكيل الرأي العام المؤثر في السياسة الخارجية للدول كثير اهتمام في الأدبيات النظرية في علم العلاقات الدولية (1). فلم يكن هناك اهتمام منظم بإدماج الدين كمتغير في شرح توجهات السياسات الخارجية (2). ورغم ذلك، فقد تناول عدد من الباحثين الغربيين دور القيم في التفاعلات الدولية، مثل هوفمان، وناي، وشلزنجر، وأرنست هاس، ولكن ذلك تعرض لإهمال شديد من قبل المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية. ويلاحظ أن الدراسات في هذا المجال تهتم بعدة أمور، مثل تأثير النخب والرأي العام في توجهات السياسة الخارجية، وأثر التفسيرات المختلفة للرسالات السماوية والكتب المقدسة في شئون العلاقات الدولية، مثل وضع فلسطين في القرآن والعهد القديم، والتركيز علي قدرة المعتقدات الدينية في تشكيل الرأي العام، بما ينعكس بصورة أو بأخري علي السياسة الخارجية.
    والواقع أن أثر سيادة الأيديولوجيا في توجيه السياسة الخارجية هو أمر محل جدل في العلوم الاجتماعية والعلاقات الدولية بين توجه ينظر بقلق إلي سيطرة أنماط أيديولوجية توصف عادة بالجمود والثبات، وتؤمن بحتميات تاريخية، وتسعي لفرض تصورات معينة علي الواقع، بما قد يعزل صناع السياسة عن البيئة، أو يورطهم في صراعات سياسية، وأزمات بسبب الانطلاق من هذه الأيديولوجيات المنغلقة، وتوجه آخر يري أن وجود إطار فكري وأيديولوجي منفتح يوجه السياسات العامة والسياسة الخارجية، علي وجه الخصوص، أمر ضروري من أجل تحديد الحلفاء والأعداء، وتحديد أولويات دوائر الاهتمام في السياسة الخارجية، ويفيد في إضفاء بعد الخصوصية الثقافية والحضارية علي السياسة الخارجية.
    وفي هذا الصدد، فإن طريقة الوصول للسلطة، سواء عبر ثورة شعبية أو انقلاب عسكري أو ثورة مسلحة، تؤثر بنسب متفاوتة في تشكيل السياسة الخارجية، وطبعها بالطابع الثوري الراديكالي الذي يسعي لتصدير الثورة، أو التوجه الإصلاحي الذي يفضل دعم الاستقرار في الإقليم. فالتغيير المرتبط بثورة مسلحة يترك أثرا فوريا علي مجمل السياسات الداخلية والخارجية، عقب تحقيق النصر الثوري، علي عكس التغيير السلمي أو الثورة الشعبية التي تسهم في إنجاحها عوامل خارجية. ولذلك، كانت الثورة الليبية أكثر حرصا علي إبراز دعمها للثورة السورية بكل الوسائل، بما فيها العسكرية، علي عكس الحال مع السياسات المصرية والتونسية واليمنية التي بدت أكثر حذرا، واكتفت بالمساندة السياسية والمعنوية. ويلاحظ أن نظم الحكم المتعاقبة كانت تبني قسما أساسيا من شرعيتها السياسية علي توجهات سياساتها الخارجية، ونوعية الأيديولوجيا السياسية التي تتبناها. فشرعية عبدالناصر ارتبطت بمعاداة الاستعمار، والدعوة لازالة إسرائيل، والوحدة العربية، بينما ارتبطت شرعية السادات بنصر أكتوبر، وتحرير الأرض والتوجه غربا، في حين كانت شرعية مبارك ترتبط بالعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ودور الوسيط في عملية التسوية، ومحاربة التطرف والإرهاب. في حين أن شرعيات نظم دول الربيع العربي تستند إلي مصادر داخلية حتي الآن، وهي حيازة الشرعية المستندة إلي أسس ديمقراطية وصناديق الاقتراع، إلي جانب الشرعية الثورية. وسوف تحدد قدرة هذه النظم علي حماية الأمن القومي، وصياغة توجهات أو أيديولوجيات جديدة، إمكانية تعميقها مصادر شرعيتها، أو تعريضها للتهديد.
    وفي حين تريد النظم الحاكمة الجديدة أن تكون توافقية، دون أن تسعي إلي فرض أيديولوجية مسيطرة علي مؤسسات الدولة، فإن الخلفيات الأيديولوجية للحركات الإسلامية التي تنتمي إليها هذه النظم، خاصة الإخوان المسلمين، تظل حاضرة بقوة، وتؤثر في ملفات السياسة الخارجية. وفي المقابل، فإن المهتمين يراقبون بدقة توجهات سلطة صنع السياسة الخارجية في النظم الجديدة. فإذا مالت في اتجاه هيمنة رؤية أيديولوجية منغلقة، منطلقة من توجهات ما تسميه بعض الدوائر البحثية أسلمة السياسة الخارجية، فإن مضمون تقييمها ينصرف إلي التحذير والتوجس من مخاطر الصدام مع العالم بسبب هذه الأيديولوجيا. وإن جري التوفيق بين المتناقضات، ومراعاة حسابات الأمن القومي التقليدية، والضغوط الاقتصادية فإن تقييم مضمونها يتجه لتأكيد غياب الرؤي والأفكار الجديدة، علي أساس أن نظم ما بعد الثورة لا تختلف في شيء عن نظم ما قبل الثورة، وربما يمتد الأمر إلي التشكيك في فكرة الثورة نفسها التي لم تحدث تغييرا لا في السياسة الداخلية، ولا السياسة الخارجية. وهناك مخاوف من تكرار التجارب التاريخية التي تضمنت الصراع بين الأيديولوجيا الثورية والمحافظة، وبين النظم الملكية والنظم الجمهورية في الخمسينيات والستينيات، فيما عرف بالحرب الباردة العربية - العربية. فالاختلاف بين فكر الإخوان المسلمين وبعض حكومات دول الخليج أفرز صراعا وتوترا سلبيا في علاقات مصر بدول الخليج، حيث تخشي الأخيرة من تكرار تجربة تصدير الثورة إليها، أو تزايد نفوذ الحركات الإسلامية فيها، والتي تري في ثورات وتجارب دول الربيع العربي مصدر إلهام وحلم التغيير. فالإمارات تتهم خلية من إخوان مصر والإمارات بالعمل علي قلب نظام الحكم. وهناك شبه تجميد للمساعدات الاقتصادية التي اعتادت دول الخليج تقديمها لمصر باستثناء قطر، بينما تتزايد حدة الاتهامات من جانب جماعة الإخوان ضد الإمارات برعايتها مشروعا لتغيير نظام الحكم في مصر بالقوة من خلال استضافة الفريق شفيق، مرشح الرئاسة السابق، الذي اعتاد الهجوم علي النظام في مصر من الإمارات، إلي جانب قائد عام شرطة دبي. ولم يكن خطاب الرئيس مرسي في القمة العربية في الدوحة، في أبريل سنة 2013، والذي توعد فيه من يتدخل في مصر، إلا مؤشرا واضحا علي خلافات لا تزال تحكم العلاقات العربية في الفترة الحالية.
    وتكشف الأزمة الاقتصادية في دول الربيع العربي عن أن التوجه الأساسي لسياساتها الخارجية، خلال العام الأول من تولي حكومات ذات مرجعية إسلامية مقاليد السلطة، يتجه إلي تغليب المنطلق البراجماتي، وحسابات المصالح علي الأيديولوجيا من أجل حل المشكلات الاقتصادية الداخلية بحلول عملية، وليس انطلاقا من رؤية أيديولوجية محكمة. ولكن ذلك لا ينفي ظهور البعد الأيديولوجي في سياسات وقضايا خارجية كثيرة، ولكنه قد يأخذ شكل رؤي استراتيجية تقوم علي تبني منظومة قيم معينة توجه السياسات الخارجية. ويظل هناك احتمال لظهور سياسات تتميز بتأثير أكبر للعوامل الأيديولوجية في المستقبل القريب، إن تراجع إلحاح العامل الاقتصادي الذي يشكل قيدا علي انطلاق السياسة الخارجية لهذه الدول. ولا شك في أن العامل الاقتصادي كان أحد أبرز محددات السياسة الخارجية، وفقا لعلي الدين هلال، والدكتور بهجت قرني في دراستهما الرائدة عن السياسات الخارجية للدول العربية (3). ولا شك في أن تأثير العامل الاقتصادي يفرض نوعا من السياسات الخارجية البراجماتية، وهو لا يزال يشكل في مصر - علي سبيل المثال - منطلقا أساسيا لزيارات الرئيس ورئيس وزرائه ووزير الخارجية بهدف احتواء الأزمة الاقتصادية، وتوفير مخارج مقبولة لأزمات الوقود والخبز.
    ثانيا- تفاعل الأيديولوجيات مع الواقع في المجال الخارجي:
    لا يعني ظهور البعد الأيديولوجي عملية "أسلمة" تلقائية للسياسة الخارجية بعد فوز الأحزاب ذات المرجعيات الإسلامية في الانتخابات البرلمانية. فهناك مصالح الدول واسترتيجيات أمنها القومي التي تتسم بقدر كبير من الاستمرارية عبر عقود طويلة، ولا تتغير بمجرد تغير الحكومات، أو حتي انتصار الثورات. فالصراع مع إسرائيل يظل حاضرا في جميع أدبيات التيارات السياسية المصرية منذ حرب 1948 فيما عرف بالحقبة الليبرالية تحت الملك فاروق، وهو ما استمر بعد ذلك في العصور التالية، مع تفاوت في حدة الصراع لدرجة أن العلاقة مع إسرائيل تحت حكم مبارك وصفت بالسلام البارد بسبب تحفظ ورفض الشعب المصري لعملية التطبيع، رغم عقد اتفاقات السلام، وتشجيع بعض اتجاهات النظام لمسار التطبيع الشعبي دون نجاح كبير.
    ولا يمكن للسياسات الخارجية لدول الربيع العربي أن تنفصل عن بنية النظام العالمي التي تمر بحالة سيولة تؤثر في كل دول العالم. فقد انتهي عالم القطبين الذي كان يفترض أن تكون فيه أيديولوجيات الدول الصغيرة والوسطي تابعة لأيديولوجية الكتلة التي تنضم لها، سواء كانت الكتلة الشرقية، أو الكتلة الغربية. فهناك حالة سيولة وتنوع في العلاقات، وبدائل مختلفة، وظواهر عولمية تعلو فوق الأيديولوجيا، وتراجعت الأيديولوجيات المنغلقة لمصلحة لغة المصالح والعولمة Bottom of.Form
    لذلك، فإن ظهور توجهات سياسية ورؤي جديدة في السياسات الخارجية لدول الربيع، مثل التوجه شرقا، لم يتشكل في إطار أيديولوجية ثابتة. فلا تزال الرؤي الأيديولوجية والمنظومات القيمية السائدة في فكر قادة وأعضاء الحركات الإسلامية تتفاعل مع غيرها من الرؤي والتصورات في المجال العام. وعندما تحتك بالواقع، فإنها تأخذ أشكالا واتجاهات تتراوح بين الجمود والمرونة. وعندما تصل إلي السلطة، وتصطدم بالقيود والتحديات، وتري فرص الاستفادة من الوضع الدولي، فإنها تعيد تشكلها وفقا لمعايير جديدة. وعلي سبيل المثال، فإنه من الناحية النظرية، فقد أكد البرنامج الرئاسي للدكتور محمد مرسي مبدأ الريادة الخارجية لدي الإخوان من الدوائر المحيطة، بداية من الدائرة العربية، ثم الإقليمية، والدولية، ورسم سياسة خارجية متزنة مع الجميع، ومبدأ المعاملة الندية مع الولايات المتحدة الأمريكية، والحفاظ علي المصالح المشتركة بين الدولتين، لا مبدأ التبعية، ورسم سياسة تعاونية مع الدول الإفريقية التي تجاهلتها الإدارات المصرية المتعاقبة، عدا الحقبة الناصرية التي اهتمت بالشأنين الإفريقي والعربي (4). ويؤكد Top of Form الرئيس استقلالية القرار والإرادة، وإقامة علاقة تقوم علي المصالح الاستراتيجية المتوازنة، بديلا عن علاقة التبعية والخضوع السياسي، والعسكري، والاقتصادي (5). ومن المرجح أنه لو استمر الحكم في مصر، فسوف تكون مختلف هذه المبادئ والصيغ مجالا للتفاعل والاحتكاك بين النظرية والواقع.
    ويلاحظ أن أيديولوجيات الحركات الإسلامية ليست متجانسة أو موحدة فيما يتعلق بالتعامل مع الغرب، فبينما تري التوجهات السلفية الجهادية الغرب عدوا يجب قتاله، فإن جماعة الإخوان المسلمين تتبني موقفا أكثر تركيبا بصورة تبرز تفاوتا كبيرا في التقييمات لهذه العلاقة، حيث يراها البعض علاقة تبعية وتحالف، بينما يراها آخرون داخل الجماعة علاقة صراع وتصادم. وتحفل أدبيات الإخوان برؤي مركبة ومعقدة حول الغرب، تقوم علي الاستفادة من التجارب والإنجازات المعرفية والسياسية، والتعاون مع المجتمع المدني الغربي، ورفض السياسات الاستعمارية والتبعية، وتأكيد احترام المعاهدات الدولية، ما دامت لا تتصادم مع المصالح، والهويات، والخصوصيات الثقافية والدينية. ويلاحظ أن الولايات المتحدة والغرب عادة ما توصفان بطريقة سلبية للغاية في أدبيات الحركات الإسلامية، خصوصا فيما يتعلق بالدعم الغربي اللامتناهي لإسرائيل، فضلا عن بعض الجوانب القيمية والأخلاقية التي تراها مخالفة لقيم الإسلام. وفي هذا الصدد، فقد تبنت جماعة الإخوان - مثلها مثل الحركات القومية - خطابا يقوم علي أساس مناهضة الإمبريالية والاستعمار، وهو ما قد يجلب التأييد الشعبي. ولم يعن ذلك الانغماس في عداء للغرب والولايات المتحدة، ولكنه جاء في سياق الخلافات اللفظية والدعائية. فبعد الثورة، حرصت جماعة الإخوان علي لقاء الدبلوماسيين الأمريكيين من أجل الحصول علي الشرعية والقبول الدولي الذي يمر عبر اعتراف واشنطن (6).
    وعلي الرغم من التفاوت في فهم سياسات الحركات الإسلامية من الناحية الأيديولوجية، فإن السياسات الفعلية الأمريكية في ملفات وقضايا تلتقي فيها وجهات النظر بين الطرفين تسهم في خلق قدر أكبر من التفاهم، وتقلص حدة العداء الأيديولوجي المتراكم. وعلي سبيل المثال، فإن مساندة الغرب للثورة الليبية ضد حكم القذافي لقيت تجاوبا وقبولا من حكومات دول الربيع العربي في مصر وتونس، وهو ما أسهم في توفير غطاء للتدخل العسكري الغربي. ويعتقد بعض المعارضين المصريين بأن هناك صفقة بين الولايات المتحدة والإخوان. وعلي الرغم من المبالغة في مثل هذه المقولات، فإن الإدارة الأمريكية قبلت واعترفت بنتائج الانتخابات الرئاسية التي أوصلت أول رئيس من الإخوان إلي قمة السلطة في مصر. ولا شك في أن الحصول علي دعم الولايات المتحدة وأوروبا لشرعية الرئيس الجديد كان هدفا يسعي إليه قادة الحركة في مصر، كما سعت حكومة حركة النهضة في تونس إلي دعم التواصل والتفاهم مع الغرب، من خلال التوافق الداخلي مع القوي الليبرالية والعلمانية بصورة جعلت الغنوشي، زعيم الحركة، يؤكد أن الدستور التونسي لا يتضمن ذكر الشريعة في مواده، بل دخل التحالف الذي تقوده "النهضة" في مواجهات محتدمة مع الحركات السلفية المتشددة، مثل أنصار الشريعة.
    وفي حين لا تزال حسابات المصالح السياسية، وليس البعد الأيديولوجي، هي المحدد الرئيسي لنمط العلاقات، فإن استمرار الخلافات وتفاقمها، خصوصا في الحالة المصرية، يؤذن بتحول راديكالي في العلاقة، إن انتقلت المفاهيم والأفكار السائدة في الرأي العام والقوي الإسلامية إلي حقل السياسة الخارجية. فميراث الخلاف مع الولايات المتحدة لدي الإسلاميين ودعمها لنظام مبارك يمكن تعبئته في صورة أيديولوجيا مناهضة للولايات المتحدة. كما أن قلق الأمريكيين من تنامي نفوذ الإخوان وأيديولوجيتهم السياسية، كما يظهر في بعض وسائل الإعلام الأمريكية، وتأثير اللوبي الصهيوني، قد يؤدي لانجراف السياسة الأمريكية نحو قطيعة دبلوماسية، مما يمهد الطريق لتعزيز فكرة العداء الأيديولوجي بين الطرفين. وفي هذا الصدد، فإن القرارات التي يتخذها الطرفان ستترك أثرا كبيرا علي مستقبل العلاقة بينهما. وعلي سبيل المثال، فإن من شأن الولايات المتحدة باستمرار اعتقال الشيخ عمر عبدالرحمن، الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية، أو إطلاق سراحه، أن يترك أثرا علي رؤية الإسلاميين للولايات المتحدة. ويري بعض الإسلاميين أن إطلاق سراحه سيكون مفيدا في تحسين صورة الولايات المتحدة في أوساطهم بطريقة أفضل من إنفاق مليارات الدولارات علي الدبلوماسية العامة (7). وقد اتضح ذلك في أول خطابات الرئيس محمد مرسي، عندما سعي للإفراج عن الشيخ، كي يحصل علي تأييد الجماعات الإسلامية (Cool. وكما أن الحكم في مصر في حاجة للمساعدات الأمريكية، فإن الإخوان لا يمكنهم تجاهل قواعدهم ومؤيديهم المناهضين للسياسات الأمريكية. فالإخوان ستستمر في العمل مع واشنطن، ولكنها لن تتخلي عن خطابها المناهض للسياسات الأمريكية، خصوصا في الملف الفلسطيني دون السعي لقطيعة أو صدام شامل. ولذلك، فاستراتيجية الحركة علي المدي المتوسط ستظل مع اظهار عدم العداء للولايات المتحدة، مع العمل علي تأسيس علاقة أكثر توازنا وعدلا (9): Balanced and equal relationship
    وتكشف استطلاعات الرأي العام عن توجهات قوية داعمة لحركات المقاومة ضد إسرائيل والولايات المتحدة أثناء احتلال العراق وأفغانستان. فمنظومة القيم لدي الشعوب العربية تأبي الظلم والضيم، ولكنها لم تكن تعادي الغرب، لكونه غربا، أو لاختلافه العقائدي والقيمي. فإذا انتفت هذه المظلوميات، أصبح من الصعب أن تستقر أيديولوجيا معادية للغرب علي هذه الأسس. وفي المقابل، كانت الشعوب العربية تنظر بتقدير للتجربة الصينية، وتراها بديلا ممكنا للتحالف معها. ولكن إهدار حقوق الإنسان في الصين، وتعرض مسلميها للاضطهاد، إلي جانب تورط الصين في مساندة أنظمة ديكتاتورية معادية للثورات، مثل النظام السوري، يقلص من إمكانية حسبان الصين حليفا استراتيجيا في رؤية أيديولوجية استراتيجية تتبناها حكومات دول الربيع العربي التي جاءت إلي الثورة بعد ثورات شعبية ضد هذا النمط من الحكم الاستبدادي. فالقيم والاقتناعات الراسخة لحكومات الربيع العربي تأبي تكوين تحالفات براجماتية مع النظم السلطوية المعادية لشعوبها.
    المجالات المستقرة في سياسات أنظمة الربيع العربي:
    هناك عناصر تتمتع بقدر من الاستقرار والثبات فيما يخص رؤية العالم، وتوجهات السياسة الخارجية، تؤكدها أدبيات الحركات الإسلامية، ويفصح عنها سلوكها السياسي المستقر عبر فترة طويلة من الزمن. ومما يدعم من استقرار هذه التوجهات واستمراريتها توافقها مع بعض مكونات نظريات الأمن القومي التقليدية المرتبطة بمصالح الدولة، وظهور هذا التوافق بين توجهات فكرية ودينية تسود في أدبيات ورؤي الحركات الإسلامية، ونظريات الأمن القومي ومصالح الدولة، يمكن أن يفرز تماسكا أيديولوجيا، وربما إجماعا وطنيا حول مكونات هذه السياسة. إن السياسة الخارجية المؤدلجة تعلي من قيمة الأيديولوجيا علي حساب المصالح المادية المباشرة، وتحدد مصفوفة الأعداء والأصدقاء. وهناك ثلاثة مجالات علي الأقل يمكن الجزم بأنها تشكل مكونات وعناصر مستقرة في الأيديولوجيا الإسلامية في قضايا العلاقات الدولية:
    المجال الأول - العداء لإسرائيل، ورفض كل أشكال التطبيع: يتعمد الرئيس محمد مرسي تجاهل وعدم ذكر اسم إسرائيل في أي حوار أو خطاب له، علي الرغم من التواصل بين أجهزة المخابرات المصرية والإسرائيلية، وتنسيقها في ملف حرب غزة في نوفمبر.2102 فالوساطة المصرية بين حماس وإسرائيل، ورعايتها لاتفاق الهدنة بين الطرفين، وإنجاح صفقة الأسير جلعاد شاليط، تمت جميعها دون أية زيارة لمسئول إسرائيلي رفيع المستوي للقاهرة، وإنما من خلال مفاوضات أدارها رجال المخابرات والعسكريون. ويبدو أن عبارات المجاملة التي ظهرت في الخطاب الذي سربته إسرائيل إلي الصحافة، وقت إرسال سفير مصري إلي إسرائيل، كانت تعبر عن بروتوكول تقليدي للرئاسة ووزراء الخارجية المصرية في مثل هذه الحالات. وقد كان الموقف المصري إزاء العدوان الإسرائيلي علي غزة مختلفا كليا عن موقف نظام مبارك من عملية الرصاص المصبوب تجاه غزة في نهاية عام 2008، حيث سارع الرئيس مرسي منذ اللحظة الأولي إلي إدانة العدوان، واستخدام نبرة أكثر غضبا وتصادمية مع إسرائيل، كما أمر بسحب السفير المصري من تل أبيب. وفي المقابل، غادر السفير الإسرائيلي القاهرة، وأرسل رئيس الوزراء المصري في زيارة إلي غزة، أكد خلالها أنه يتعين علي العالم أن يتخذ إجراءات ضد تل أبيب، بحسبانها معتدية. في حين وصف وزير الخارجية المصري، محمد كامل عمرو، العدوان بحسبانه عملا إجراميا. وقد يطور الإخوان من دور - مصر كوسيط - بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولكن من خلال صيغة جديدة تقوم علي التحالف مع حركة حماس. فالإخوان هم طرف مساند لحماس، وفي الوقت نفسه وسيط مقبول من الطرفين، كما حدث في أزمة غزة، ووسيط بين حماس وإسرائيل، عندما تتأزم الأمور، أو لتسهيل شروط التهدئة بين الطرفين، وذلك لتجنيب الإخوان التورط في حروب عسكرية.
    وفي هذا الصدد، يلاحظ تباين مبدئي طفيف بين نمط الحركات الإسلامية السائد في الدول العربية، ونظيره التركي، فحزب العدالة والتنمية التركي لا يمانع في تطوير العلاقات الموروثة مع إسرائيل، إذا قدمت الأخيرة تنازلات سياسية في الملفات الخلافية، بما يعني تغييب البعد الأيديولوجي كقيد علي العلاقة مع إسرائيل. أما الحركات الإسلامية الحاكمة في دول الربيع العربي، فإن بعضها يجد نفسه مضطرا لقبول المعاهدات والاتفاقيات الموروثة من النظم السابقة مع إسرائيل، ولكنها في المقابل تحرص علي تخفيض سقف العلاقات الثنائية إلي أدني حد ممكن، ووقف التطبيع تماما في كافة المجالات، فيما عدا الملفات المرتبطة بدور الوسيط في ملفات الصراع العربي - الإسرائيلي. فمصر ملتزمة باحترام معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية، مع السعي لتعديلها لزيادة قوات الأمن المصرية في المنطقة "ج"، وتنفيذ مبدأ حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني (10). ومهما تكن مرونة الحركات الإسلامية الحاكمة في تونس أو المغرب، فإنها حريصة علي عدم إظهار أية بوادر أو مؤشرات علي أي إمكانية لتقارب مستقبلي مع إسرائيل. وعلاوة علي ذلك، تبدي حكومات دول الربيع العربي دعما واضحا لحركة حماس في قطاع غزة في مواجهة العدوان الإسرائيلي. وقد حرص ممثلون عن مختلف هذه الحكومات علي كسر الحصار القائم علي القطاع، والقيام بزيارات رسمية وغير رسمية إلي القطاع عبر بوابة معبر رفح المصرية التي فتحتها السلطات باستمرار أمام جميع الوفود، بديلا عن سياسة نظام مبارك في إغلاقها بانتظام، ومنع الوفود الرسمية من الدخول عبرها.
    والجدير بالذكر أن بعض التوجهات السلفية لديها رؤي وتصورات مختلفة حول مسائل الأمن القومي. وعلي سبيل المثال، يرفع حزب النور السلفي في مصر من مستوي العداء مع إيران إلي مستوي العدو رقم (1) الأكبر والأخطر علي الأمة عقيديا ومذهبيا، وهو ما يعني النزول بإسرائيل إلي مستوي العدو الثاني، أو علي الأقل التساوي في درجة العداء مع إيران، وهو ما يختلف عن نظرية الأمن القومي التقليدية، وفكر الحركات الإسلامية غير السلفية التي تري إسرائيل العدو الرئيسي للأمة. ويعارض بعض الأطياف السلفية فتح الباب أمام الجموع الشيعية لزيارة مصر، بما قد يؤثر مذهبيا في الشعب المصري، ولكنهم لا يعارضون إقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية معها، مثل حزب الوطن (11).
    المجال الثاني - التكامل العربي والإسلامي، استنادا إلي تصورات ومبادئ إسلامية تحث علي التعاون والوحدة بين مكونات الأمة: وهذا المستوي ظهرت آثاره ونتائجه سريعا من خلال التعاون الملموس بين دول الربيع العربي نفسها، ومن خلال نسيج العلاقات الذي تعمق بين تركيا ومصر، منذ تولي الرئيس مرسي سدة الرئاسة في مصر. فالتقارب الفكري والأيديولوجي بين حزبي الحرية والعدالة في مصر، والعدالة والتنمية في تركيا كبير، ويعود بجذوره إلي التقارب بين حزب الرفاه وحركة الإخوان. كما ازداد التعاون وترسخ بين قطر ودول الربيع العربي، خصوصا مصر وليبيا.
    ويعبر نظام الحكم الإخواني في مصر عن توجهات الحركات الإسلامية ومنظورها الأيديولوجي للعالم الذي يعلي من شأن الرابطة الإسلامية، ويظهر ذلك في إعطاء أولوية لعلاقات مصر مع دول إسلامية مثل تركيا، وباكستان، وماليزيا، وإندونسيا كان بعضها يعد مصدر تهديد لأمن مصر القومي، مثل تركيا في التسعينيات. ولكن تغير توجهات نظام الحكم في البلدين حول العلاقة من علاقة عداء إلي التعاون والتنسيق الذي يمكن أن يرتفع إلي مستوي الشراكة الاستراتيجية مستقبلا.
    المجال الثالث - مراجعة منظومة القيم والاتفاقيات الدولية التي تعبر عن المرجعية الحضارية الغربية، والمرتبطة بقضايا المرأة، والطفل، والحرية الجنسية، وزواج المثليين، والتي ظهرت في اجتماعات المرأة، أو ضغوط الوفد المصري لحذف حق الرعاية الصحية لمثليي الجنس من اتفاقية الصحة الدولية.
    التوجهات والأدوار الجديدة في السياسات الخارجية:
    انعكس تأثير البعد الأيديولوجي في السياسات الخارجية لدول الثورات في ثلاثة مظاهر:
    1- التركيز علي مساندة الثورات العربية:
    فقد سعت الأنظمة الإسلامية الجديدة إلي إعادة ترتيب منظومة القيم التي تنطلق منها السياسات الخارجية لدول الربيع العربي، بحيث تضفي منطلقات ثورية ومثالية علي السياسات الواقعية، وحسابات المصلحة، علي سبيل المثال: مساندة الثورة السورية، مع محاولة الحفاظ علي كيان الدولة، دون وجود مصالح آنية في سوريا.
    2- بروز الجماعات الأدني كفاعل في صنع السياسة الخارجية:
    أدي المسار الديمقراطي، ورفع الدولة يدها عن مؤسسات المجتمع المدني إلي بروز أدوار فاعلين جدد في السياسات الخارجية للدول، وعلي وجه الخصوص: شباب الثورات، وأدوات التواصل الاجتماعي، ودور الأزهر والزيتونة، ودور العلماء والمشايخ السلفيين، ونخب أكاديمية واقتصادية، ودور تنظيمات دولية مثل الإخوان، والدور السياسي للجاليات الوطنية في الخارج في التصويت والانتخابات والثورة. وقد ظهر دور الكيانات الشبابية في حصار السفارة الإسرائيلية، وإجبار مصر علي تقليص العلاقات مع إسرائيل، وكذلك بروز دور كيانات مسلحة تؤثر في السياسات الخارجية مثل أنصار الشريعة في ليبيا، التي قامت بالهجوم علي السفارة الأمريكية، وامتداد أثر الجماعات المسلحة العابرة للحدود إلي دول الجوار الإفريقية، مما مهد للتدخل الفرنسي في مالي، وتراجع المشروع الغربي في ليبيا. كما ازدادت حدة التحركات الشعبية، وأصبحت أكثر تأثيرا مثل محاصرة السفارة الأمريكية في القاهرة في توقيت متزامن مع الهجوم المسلح علي السفارة في ليبيا، مما يرسخ التوتر بين الطرفين، وهو ما ارتبط بنشر الفيلم المسئ علي اليوتيوب.
    3- الشراكة في صنع قرار السياسة الخارجية:
    مع تراجع دور الدولة، وبروز الكيانات الداخلية، برزت الحاجة لإشراك هذه الفواعل الجديدة في صنع قرار السياسة الخارجية، إما من خلال الاستشارات وتبادل الأفكار، أو من خلال مؤتمرات رسمية، مثل مؤتمر الرئاسة المصرية الذي عقدته مع قادة أحزاب المعارضة وقوي سياسية لمناقشة آثار سد النهضة الإثيوبي، وإعادة بناء العلاقة مع دول حوض النيل وإفريقيا. فقد أسست الرئاسة المصرية منتدي السياسات الخارجية لتطوير وصياغة رؤية السياسة الخارجية التي تقودها مؤسسة الرئاسة، والتي جرت علي ثلاث مراحل: تمثلت الصياغة الأولي في الرؤية الحزبية التي تشكلت أثناء تأسيس حزب الحرية والعدالة. ووردت الصياغة الثانية في الرؤية التي طرحها البرنامج الانتخابي للرئاسة. والمرحلة الثالثة هي مرحلة تطوير رؤية وطنية توافقية تم بناؤها من خلال جهد بحثي تواصل خلال الأشهر الستة الماضية، بالإضافة إلي عدد من ورش العمل التي تمت خلالها دعوة مساعدي وزير الخارجية المختصين ومسئولي الملفات الأساسية في وزارة الخارجية، والجهات الوطنية المختلفة، منها جهاز المخابرات المصرية، والوزارات المعنية، ولجنة الشئون العربية والخارجية والأمن القومي بمجلس الشوري، فضلا عن عدد من المتخصصين من أساتذة العلاقات الدولية والقانون الدولي بعدد من الجامعات المصرية. وقد روعي خلال هذه الجلسات دعوة المختصين من مختلف التوجهات الفكرية والسياسية. كما تم التواصل بشأنها مع بعض المراكز البحثية المتخصصة، وتم إطلاق المنتدي المصري للسياسة الخارجية كمنتدي رسمي، ومركز لمناقشة الأفكار والرؤي والتصورات في هذا المجال.
    التوجه شرقا لموازنة التوجه الغربي:
    هناك توجه مصري جديد نحو السعي لإعادة هيكلة الارتباطات الخارجية للدولة المصرية، في اتجاه التوجه شرقا نحو القوي الآسيوية، أو علي الأقل موازنة التوجه الغربي الذي سيطر بشكل واضح علي السياسة الخارجية المصرية خلال العقود الثلاثة الأخيرة. هذا التوجه يمكن تفسيره أو توقع حدوثه بدوافع تتعلق ربما بتقييم الدولة المصرية الجديدة لواقع العلاقات المصرية - الغربية، خلال العقود السابقة، أو كنتيجة طبيعية للتغير الذي طال النخبة الحاكمة، وما قد يرتبط بها من طبقة جديدة من رجال أعمال قد تري أن مصالحها الاقتصادية المتوقعة أو الحقيقية مع الاقتصادات الآسيوية تفوق مثيلتها مع الاقتصادات الغربية، استنادا إلي طبيعة هذه الأسواق، وهيكل الطلب والصادرات بها، أو حتي كرغبة في تغيير الصورة النمطية التي تكرست حول نظامي السادات ومبارك اللذين أعطيا الأولوية للتوجه غربا، بهدف خلق انطباع بأن تغييرا ما يحدث علي مستوي التوجهات والارتباطات الخارجية للدولة الجديدة (12).
    وإذا كان من الملاحظ أن هذا التوجه هو توجه براجماتي مصلحي، وليس أيديولوجيا في حد ذاته، فهو لا يأتي في إطار رؤية استراتيجية تسعي للاستقلالية عن الغرب والولايات المتحدة، وإنما قد لا يكون سوي محاولة لاستكشاف آفاق فك علاقة التبعية مع الغرب، وتأسيس علاقات جديدة مع الشرق لم ترق إلي تأسيس محور أو تحالفات جديدة بعد. وإلي حد كبير، فقد بدأ التوجه شرقا كمناورة استكشافية لآفاق بعيدة عن النفوذ الغربي، ولكنه قد يتحول لخيار استراتيجي مصري، إذا استمر تأزم العلاقة مع الولايات المتحدة.
    خاتمة:
    يتضح وجود قدر من الاستمرارية والثبات في السياسات الخارجية لدول الربيع العربي، وخصوصا مصر، في القضايا التي ترتبط بطبيعة نظرية الأمن القومي السائدة من جهة، والتصورات الأيديولوجية والفكرية السائدة لدي الحركات الإسلامية من جهة أخري، مثل تأكيد مخاطر التهديد الإسرائيلي علي الأمن القومي العربي إلي جانب المخاطر المرتبطة بمياه النيل. كما يلعب الاقتصاد دورا أساسيا في توجيه السياسات الخارجية لدول الربيع العربي، حيث تظهر توجهات براجماتية تستهدف توظيف السياسات الخارجية لخدمة الاقتصاد. ولكن هناك في المقابل عناصر التغير والتجديد، والتي تتمثل في بروز التأثير المباشر لصناع قرار السياسة الخارجية الجدد، وطبيعة نسقهم الإدراكي والعقيدي المرتبط بالفكر والرؤي والتوجهات الأيديولوجية، والسياسية المرتبطة بالحركات الإسلامية. كما برز دور فواعل جديدة إلي جانب الدولة، دون أن تكون بديلا عنها أو تعمل ضد إرادتها، إلي جانب التركيز علي دور مساندة الثورات العربية والسياسات التي تؤكد التعاون والتكامل بين دول الربيع العربي، والتوجه شرقا.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد سبتمبر 22, 2024 5:33 am